لا نبالغ إذا قلنا إن ما يجرى الآن فى سوريا، هو إحدى أكثر التجارب السياسية إثارة، وأقرب إلى تجربة إنتاج دواء أو لقاح من فيروسات فى المعمل.
لا نبالغ إذا قلنا إن ما يجرى الآن فى سوريا، هو إحدى أكثر التجارب السياسية إثارة، وأقرب إلى تجربة إنتاج دواء أو لقاح من فيروسات فى المعمل، وهى تجربة لأنها بالفعل تشكل الكثير من العناصر المختلفة، التى يمكن من خلال تفاعلها أن تنتج ملحا وماء، أو أن تنتج انفجارا يطيح بالمعمل وبمن يجرى التجربة.
وقد نشأت تنظيمات الإسلام السياسى المسلحة، على شواطئ حروب بارد وساخنة، «القاعدة» قام نتاجا لصراع الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى على أرض أفغانستان، وبالرغم من أن تنظيم القاعدة لم ينشأ فى البداية، وإنما تم الدفع بتنظيمات مسلحة أفغانية مختلفة كلها حاربت فى أفغانستان، وانتهت إلى صراع أفرز «طالبان» بالداخل، ووصولها للحكم، و«القاعدة» كان نتاج تفاعلات وتدخلات للمخابرات الأمريكية والدول الإقليمية التى مولت وساهمت فى بنائه.
بعد نهاية الحرب وتفكك الاتحاد السوفيتى، تركت الولايات المتحدة «القاعدة»، الذى انقلب على أمريكا ووقعت أحداث سبتمبر، والتى انتهت بغزو أفغانستان والعراق، وتطور تنظيم القاعدة مع الزرقاوى والظواهرى، حتى مقتل الزرقاوى، وظهر تنظيم داعش، بشكل متسارع، فى صورة وفيديوهات مصورة جيدا، وكان واضحا أن أبوبكر البغدادى تم إعداده جيدا، خاصة أن التنظيم كان يعمل من خلال شبكات دعاية عابرة للحدود، على مواقع التواصل والأدوات الحديثة، وهو ما انتهى إلى تجنيد مقاتلين من كل أنحاء العالم، ومنهم غير مسلمين.
بدا أن تنظيم داعش ضمن خطط الصراع، وشارك مع القاعدة فى حروب بالوكالة، فى سوريا والعراق، وبدا أن بعض الأطراف راهنت على دور يمكن أن تلعبه هذه التنظيمات فى عملية «تفكيك وتركيب»، لكن هذه التنظيمات واجهت هزيمة، وتم إخراجها من العراق، وفى سوريا تراجعت منذ 8 سنوات - فى عام 2016 - يومها بدأت توقعات بانتقال أعضاء وقيادات القاعدة وداعش من سوريا والعراق للبحث عن ملاذات آمنة، وهى خطوات تمت فى أفغانستان بعد مقتل أسامة بن لادن، وربما قبله كان «أى القاعدة» قد خسر الكثير من قوته وتمويله، ودخل فى مرحلة من الضعف، خاصة أن كثيرا من أعضائه انضموا إلى تنظيمات أخرى، خاصة داعش، الذى شهد فترة قوة مع تدفقات وتمويلات من دول وأجهزة قبل أن يواجه انكسارا منذ 2016، قبل أن يظهر بـ«دخول مفاجئ» خلال أسابيع.
والصورة التى تم بها تقديم أحمد الشرع، صورة مغايرة لصور الجولانى - أو أى من قيادات التنظيمات المسلحة، الإرهابية سابقا - لحية بسيطة وصوت هادئ، ووعود بالحفاظ على المؤسسات والوحدة السورية، ومسار سياسى يجمع الكل، ويستوعب التنوع، وفى الخلفية تحركات للسيطرة على المفاصل الكبرى فى سوريا، الجيش والأمن، والاتجاه لدمج الميليشيات المسلحة والفصائل بما بينها من اختلافات، و«الشرع» نفسه تنقل بين تنظيمات: «داعش، والقاعدة، والنصرة، ثم أحرار الشام».
هذا الوضع يضعنا أمام تجربة جديدة، أقرب لمعمل خلال إجراء تفاعل بين مواد متعارضة أو متقاربة ومتنوعة، سوف تحدد نتيجته الكثير من التوازنات فى المنطقة، وقد تتأخر التجربة أو تتعثر، وتندلع صراعات، أو يتجه من يسيطر على المراكز الرئيسية، لخوض حرب فى مواجهة الآخرين المنافسين، وهى صيغة تمت فى أفغانستان قبل ذلك.
وبالطبع، فإن هذا الصعود حرك الأمل لدى أطراف تدعم تنظيمات فى دول تشهد فوضى وتدخلات خارجية، تُحرك تابعيها فى كل مكان، هناك تشابهات بين ليبيا وسوريا تجعل هناك تنسيقا، وتحريكا من الداعمين والرعاة.
فى السابق، كان المقاتلون يواجهون فراغا ويفقدون وظائفهم، لكن هذه المرة هناك خطة لإعادة توظيفهم وتأهيلهم، ليصبحوا عمود الجيش السورى، وهى تجربة لم يسبق لها أن تحققت، وهو ما يجعلها تجربة غير مسبوقة، تقف وراءها قوى وأجهزة تراهن على نجاحها تمهيدا لخطوات وترتيبات متوقعة، تعيد رسم خرائط وخطط.
اليوم السابع